مقالات في الترجمة

كيف نترجم: تفادي الترجمة الركيكة الجزء 1

يعاني بعض طلاب الترجمة من ركاكة النص في بداية مشوارهم، فيجدون أنفسهم ملتزمين بالنص الأصلي لكن لا يعلمون أين هي المشكلة التي تنتج ترجمة غير مفهومة وركيكة ،ومن خلال برنامج المترجم المستشار في مشروع إدراك التطوعي، لاحظت أن ركاكة النصوص ناتجة عن الترجمة الحرفية وعدم فهم النص.

ومن ناحية علمية يعرف البروفيسور بيتر نيومارك  الترجمة الحرفية بأنها تحويل البنى القواعدية للغة المصدر إلى أقرب مرادفاتها في اللغة الهدف؛ حيث تترجم الألفاظ حياديًا بمعانيها وخارج السياق وتترجم الدلالات الثقافية حرفيًا.

ولا أشير هنا إلى عدم نفع الترجمة الحرفية، فلها غايتها  عند ترجمة مكونات جملة ما من لغة إلى أخرى حتى يتسنى للقارئ معرفة مكونات الجملة وتفيد في حالة رغبة القارئ بتعلم اللغة أو مقارنة الترجمة.

إلا أنه في أغلب التراجم تنتج الترجمة الحرفية نص ركيك ضعيف الأسلوب ولا ينقل صبغة اللغة كما يستخدمها متحدثوها، وهنا عدة نصائح لتجنب ركاكة النص والتعبير بلغة سليمة وطبيعية:

١- افهم النص قبل الترجمة، حاول أن تقرأ النص كاملًا قبل البدء بالترجمة أو يمكنك تقسيمه إلى أجزاء تفهمها أولًا ثم تترجمها ثم تقرأ الجزء الذي يليه وهكذا، فكثيرًا ما تجد في الأجزاء المتأخرة جمل تشير إلى دلالة المفردات المستخدمة مما يعينك على معرفة الترجمة المناسبة لها.

لكن كيف تفهم النصوص المتخصصة مثل المستندات القانونية ونصوص الأحياء الدقيقة وغيرها؟ هل على المترجم  أن يكون عالمًا ومتخصصًا في كل المجالات؟

هنا تظهر مهارات المترجم في تطوير ذاته ومهارات البحث، أي عليك أن تبحث عن المصطلحات المتخصصة في مصادر متخصصة، ويمكنك أن تبني لنفسك دائرة معارف من مترجمين ومتخصصين لترجع لهم وقت الحاجة مثل موقع proz.com ، والأهم من ذلك أن تقرأ نصوص مشابهة في اللغة الهدف فتتعرف على أسلوب النص وطريقة كتابته في اللغة الهدف، وغيرها من طرق تنمية معارفك وتثقيف نفسك كحضور الدورات المتخصصة للمبتدئين، وتحدثت عن مجموعة من الدورات المفيدة هنا.

وتذكر كلما فهمت النص فهمًا سليمًا، استطعت التعبير عنه باللغة الهدف تعبيرًا دقيقا.

٢-استخدم التراكيب الصحيحة، فمهمة المترجم نقل الفكرة السليمة بما يتناسب مع أسلوب اللغة الهدف، مثل البدء بالفعل في اللغة العربية والاسم في الإنجليزية، فتعبر عن الأفكار كما يستخدمها متحدثوا هذه اللغة، فلا تنقل الأزمنة ذاتها بل تستخدم الزمن المناسب للحدث، ولا تنقل المفردات بل التركيب النحوي المستخدم في اللغة الهدف،فمثلا:

The more you give, the more you get 

الجملة شرطية وتحمل معنى التكرار، والخيار الأمثل للتعبير عن هذا التركيب هو استخدام أداة الشرط كلما، فتترجم:

كلما تعطي، تأخذ

لكن لانكرر كلمة ” كلما” في العربية كما في تكرار the more في النص الأصلي وفقً لقواعد النحو، فلا نكرر أداة الشرط في جواب الشرط.

ومثال آخر هو الزمن المستخدم للتعبير عن الأمنيات، حيث أن الزمن المستخدم للتعبير عن أمنية مستقبلية في اللغة العربية هو المضارع فنقول:

أتمنى أن أسافر هذا الصيف

ولكن عند التعبير عن الأمنيات في اللغة الإنجليزية فنستخدم الزمن الماضي ونستخدم would و could  للتعبير عن الأمنيات المستقبلية، فنترجمها:

I wish I would travel this summer  

٣-ابحث عن معاني  الكلمات في سياقها،  ولا تعتمد على المعنى المعروف لديك، فلكل كلمة عدة معاني تختلف باختلاف السياق والمجال.

كيف تعرف أن للكلمة معنى آخر في النص؟

عندما لا تجد ترابط بين فكرة النص ومفرداته تكتشف أن للكلمة معنى سياقي آخر، وقبل استخدام أي لفظ من قاموس ثنائي اللغة تأكد من قاموس أحادي اللغة أن الكلمة التي ستستخدمها تحمل المعنى الذي تقصده، وتأكد من إجراء التغييرات النحوية اللازمة لتلائم موضع الكلمة في الجملة، فمثلا:

For many years, we let what we didn’t know about that discipline stop us from doing anything

5 من 6 متدربات ترجمن كلمة discipline في النص على أنها الانضباط، في حين أن المعنى الصحيح لها هنا هو المجال، فيقول الكاتب بأنهم لسنوات سمحوا لما لا يعرفونه عن المجال [التسويق]بمنعهم من فعل أي شيء.

ومثال آخرهو الخلط بين استخدامات كلمتي solve  و  resolve، فلكل منها مفهوم فريد، فحلّ المشكلة هو solve a problem  أي إيجاد حل لمسألة منطقية.

أما resolve a dispute  فقد تترجم حلّ أو فضّ النزاع  فمعناها هو حسم خلاف ما.

يمكنك تطبيق هذه النقاط الثلاثة على نصوصك السابقة وستجد الفرق في تماسك النص وجودته، وسأكمل النصائح في تدوينة قادمة بإذن الله.

شاركوني تساؤلاتكم وتجاربكم في التعليقات أو على حساب تويتر.

 دمتم بخير!

 

صورة العرض: هي غلاف كتاب مصور لإيلا فرانسيس سانديرز تعرض فيه 50 كلمة غير قابلة للترجمة.

6 رأي حول “كيف نترجم: تفادي الترجمة الركيكة الجزء 1

  1. i was thinking of starting to translate some stuff for free (like educational videos in YouTube) to practice my English that i got in my few years of studying in the US. But oh god that was a different ball game! speaking casually in US society is much different than translating correctly from English to Arabic. it was really horrifying experience xD !

    I’m honestly happy to see blogs like yours, you deserve much more popularity and attention. Keep up the good work!

    Liked by 1 person

  2. هذا من أجمل ما قرأت. إن ركاكة اﻷسلوب قد أصبحت السمة الغالبة على النصوص العربية حتى تلك الاصلية منها التي لم تنتج عن ترجمة، وهي احدى عواقب تردي التعليم المدرسي.
    بخصوص مثالك: I wish I would travel this summer
    تميز العرب بين التمني الذي تحققه محال و بين الرجاء الذيرتحققه ممكن والأمل. وعليه فاننا نستخدم التمني اذا كان السياق يقتضي رغبة يصاحبها أسف على فوت مرغوب متعذر (ليت الشباب يعود, ليته لم يتكلم) بينما نستخدم الرجاء إذا كان السياق يقتضي مرغوبا مرجوا ومأمولا.
    لعلي أسافر الصيف

    إعجاب

    1. صحيح، نحتاج دائمًا لمراجعة قواعد لغتنا لنحافظ على سلامة لساننا العربي وننقله على نحو أفضل.

      شكرًا على توضيحك، وسأحرص على إضافة تعديلك على المثال المطروح.

      يسعدني مرورك.

      إعجاب

أضف تعليق